خوفاً من الأعمال الانتقامية.. صحفيو بوروندي يعتمدون الرقابة الذاتية
خوفاً من الأعمال الانتقامية.. صحفيو بوروندي يعتمدون الرقابة الذاتية
شهدت بوروندي على مدى الاثني عشر شهرا الماضية توترات داخلية قوية أدت إلى تضييق الحيز المدني وقمع المعارضين السياسيين والإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ولا يزال إفلات مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب على نطاق واسع خلال مختلف الأزمات التي مر بها البلد -ولا سيما أزمة عام 2015، وتدهور الوضع الأمني خاصة مع استئناف الهجمات التي تشنها الجماعة المتمردة المقاومة من أجل دولة القانون في بوروندي، فضلا عن الزيادة في حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي- من الأسباب التي تثير القلق.
جاء ذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في بوروندي، فورتوني غايتان زونغو، المقدم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ57 التي انطلقت الشهر الفائت وتتواصل فعالياتها حتى 9 أكتوبر الجاري، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.
أزمة اقتصادية غير مسبوقة
ويتفاقم الوضع بسبب أزمة اقتصادية غير مسبوقة في سياق اقتصادي متقلب يتسم بتضخم مزدوج، وندرة العملات الأجنبية، وانخفاض حاد في قيمة العملة وارتفاع الضغط الضريبي، ما يحد بشكل كبير من مشتريات الأسر من الطاقة.
ويزيد معدل الفقر في بوروندي على 50 في المئة، ويبلغ معامل جيني 37 في المئة، ويواجه السكان العديد من الصعوبات نقص الوقود والمياه وغيرها من الضروريات الأساسية، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وما إلى ذلك.
وأدت عملية المصالحة الوطنية غير المكتملة، والأزمة الإنسانية المرتبطة بالمناخ، وضعف القدرة المؤسسية على مواجهة العوامل الخارجية والداخلية للأزمة والتعامل معها إلى تفاقم مواطن الضعف وتقليل احتمالات تحسن الوضع.
ويشعر المقرر الخاص بالقلق بشكل خاص إزاء سلسلة من الوقائع التي يمكن أن تشكل مجتمعة، نذر انتهاكات خطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان خلال الانتخابات التشريعية والبلدية المقرر إجراؤها في عام 2025.
ولا تتعاون بوروندي مع المقرر الخاص، وتجلت عدائيتها له في 25 أكتوبر 2023 في نيويورك، عندما أشار زيفيرين ما نيراتانغا، الممثل الدائم لبوروندي لدى الأمم المتحدة، أمام لجنة الشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تقرير المقرر الخاص العام 2023، فقد قال إن كاتب تلك الوثيقة ذات التوجهات السياسية يجب أن يضع في اعتباره أن هذه الأكاذيب وهذه الافتراءات وهذه الاتهامات الباطلة التي تمس سمعة وكرامة الشعب البوروندي لن تمر دون عقاب إلى الأبد.
وفي إطار الدورة الرابعة من الاستعراض الدوري الشامل التي بدأت في مايو 2024 أشارت بوروندي إلى التوصيات المختلفة التي تشجعها على التعاون مع المقرر الخاص وتطلب منها السماح له بالوصول التام ودون عوائق إلى البلد.
التسامح إزاء الانتهاكات
ولاحظ المقرر الخاص استمرار التقاعس والتسامح إزاء الانتهاكات المرصودة أو رفض استخدام الوسائل الممكنة.
وحتى الآن، لم تقاضِ أية سلطة من السلطات المقربة من النظام المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ عام 2015 رداً على أفعالها.
ولا تزال الدولة تمارس سيطرة منهجية على جهاز المخابرات الوطني وميليشيا إمبونيراكور التي تساعد قوات الأمن أو تكمل عملها أو تحل محلها في الأماكن التي لا تتواجد فيها.
وتتمتع ميليشيا إمبونيراكو بحرية مطلقة في تعذيب وترهيب السكان، لا سيما الأصوات المعارضة وأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين.
وشدد المقرر الخاص على أن عدم استقلال القضاء قد تفاقم منذ الأزمة السياسية التي اندلعت عام 2015، ونادرا ما أفضت الشكاوى المقدمة في أعقاب الانتهاكات الجسيمة إلى تحقيقات نزيهة، بل ونادرا ما أفضت إلى مقاضاة وإدانة الجناة، ويظل التقييم القطري المشترك لعام 2022، والتقارير السابقة للمقرر الخاص ذات صلة بالقضاء.
ولا يزال الفساد ظاهرة متوطنة في البلد، ولم يُساءَل سوى عدد قليل جدا من الشخصيات التي استخدمت الأموال العامة لأغراض خاصة.
ووفق التقرير، يبدو أن الفساد قد استشرى على أعلى مستويات الدولة وهو يتجلى في الإدارة العامة قطاع العدالة والعقود العامة لتشييد البُنى التحتية واستغلال الموارد الطبيعية ولا سيما خلال المفاوضات المتعلقة بتراخيص التعدين.
ويؤدي هذا الفساد المنتشر على نطاق واسع إلى إضعاف سيادة القانون وحرمان شعب بوروندي من الموارد الهامة اللازمة لتنميته.
اعتقالات تعسفية
واستمرت الاعتقالات التعسفية، ومعظمها لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالتمرد، نظرا للحالة الأمنية السائدة في بوروندي، ونفذت الشرطة الاعتقالات بدعم من ميليشيا إمبونيراكور.
وفي 16 مايو 2024، اعتقلت 44 شخصا في بلدية نيانزا لاك، في مقاطعة ما كامبا، بتهمة ارتكاب أعمال وصفتها بـ"التمرد".
وشدد المقرر الخاص على ضرورة حماية الصحفيين والمبلغين عن المخالفات والأصوات المعارضة.
ولاحظ المقرر الخاص العديد من علامات القمع ضد الإعلاميين تهديدات واعتقالات، وحالات احتجاز تعسفي، ومحاولات اختطاف.
ودفع هذا المناخ العديد من الصحفيين إلى اعتماد الرقابة الذاتية خوفا من أعمال انتقامية.